الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وزر بن حبيش، واختاره أبو عبيد لقوله: {والناشرات نَشْرًا} [المرسلات: 3] وقرأ أهل الحجاز والبصرة {نشرًا} بضم النون والشين واختاره أبو حاتم فقال: هي جمع نشور مثل صبور وصابر، وشكور وشاكر.وهي الرياح التي تهب من كل ناحية وتجيء من كل وجه وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن وابن عامر {نشرًا} بضم النون وجزم الشين على التخفيف.وقرأ مسروق {نشرًا} بفتحتين أراد منشورًا كالمقبض والقبض {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} يعني قدّام المطر {حتى إِذَا أَقَلَّتْ} حملت {سَحَابًا ثِقَالًا} المطر {سُقْنَاهُ} رد الكناية إلى لفظ السحاب {لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} يعني إلى بلد.وقيل: معناه لأجل بلد لا نبات له {فَأَنْزَلْنَا بِهِ} أي السحاب وقيل: بالبلد {الماء} يعني المطر، وقال أبو بكر بن عيّاش: لا تقطر من السماء قطرة حتّى يعمل فيها أربع: رياح الصبا تهيّجه والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور تفرّقة {كذلك نُخْرِجُ الموتى} أحياء قال أبو هريرة وابن عباس: إذا مات الناس كلّهم في النفخة الأولى أمطر عليهم أربعين عامًا يسقى الرجال من ماء تحت العرش يُدعى ماء الحيوان فينبتون في قبورهم بذلك المطر كما ينبتون في بطون أُمهاتهم، وكما ينبت الزرع من الماء حتّى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيهم الروح ثمّ يلقى عليهم نومة فينامون في قبورهم، فإذا نفخ في الصور الثانية عاشوا وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم كما يجد النائم إذا استيقظ من نومه فعند ذلك يقولون {يا ويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] فيناديهم المنادي {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} [يس: 52]. اهـ.
وقاتل وقتل ومنه قول الأعشى: [البسيط] وأما من قرأ {نُشْرًا} بضم النون وسكون الشين فإنما خفف الشين من قوله: {نشرًا} وأما من قرأ {نَشْرًا} بفتح النون وسكون الشين فهو مصدر في موضع الحال من الريح، ويحتمل في المعنى أن يراد به من النشر الذي هو خلاف الطيّ كل بقاء الريح دون هبوب طيّ، ويحتمل أن يكون من أن النشر الذي هو الإحياء كما قال الأعشى: [السريع] وأما من قرأ {نَشَرًا} بفتح النون والشين وهي قراءة شاذة فهو اسم وهو على النسب، قال أبو الفتح أي ذوان نشر، والنَّشَر أن تنتشر الغنم بالليل فترعى، فشبه السحاب، في انتشاره وعمومه بذلك، وأما {بُشُرًا} بضم الباء والشين فجمع بشير كنذير ونذر، و{بشْرًا} بسكون الشين مخفف منه و{بَشْرًا} بفتح الباء وسكون الشين مصدر وبشرى مصدر أيضًا في موضع الحال. والرحمة في هذه الآية المطر، و{بين يدي} أي أمام رحمته وقدامها وهي هنا استعارة وهي حقيقة فيما بين يدي الإنسان من الأجرام.و{أقلت} معناه: رفعت من الأرض واستقلت بها، ومنه القلة وكأن المقل يرد ما رفع قليلًا إذا قدر عليه، و{ثقالًا} معناه من الماء، والعرب تصف السحاب بالثقل والدلح، ومنه قول قيس بن الخطيم: [المتقارب] والريح تسوق السحاب من وارئها فهو سوق حقيقة، والضمير في {سقناه} عائد على السحاب، واستند الفعل إلى ضمير اسم الله تعالى من حيث هو إنعام، وصفه البلد بالموت، استعارة بسبب سعته وجدوبته وتصويح نباته، وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش: {لبلد ميْت} بسكون الياء وشدها الباقون والضمير في قوله: {فأنزلنا به} يحتمل أن يعود على السحاب أي منه، ويحتمل أن يعود على البلد، ويحتمل أن يعود على الماء وهو أظهرها، وقال السدي في تفسير هذه الآية: إن الله تعالى يرسل الرياح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرق السماء والأرض حيث يلتقيان فتخره من ثم ثم تنشره فتبسطه في السماء ثم تفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم تمطر السحاب بعد ذلك.قال القاضي أبو محمد: وهذا التفصيل لم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله تبارك وتعالى: {كذلك نخرج الموتى} يحتمل مقصدين أحدهما أن يراد كهذه القدرة العظيمة في إنزال الماء وإخراج الثمرات به من الأرض المحدبة هي القدرة على إحياء الموتى من الأجداث وهذه مثال لها، ويحتمل أن يراد أن هكذا يصنع بالأموات من نزول المطر عليهم حتى يحيوا به فيكون الكلام خبرًا لا مثلًا، وهذا التأويل إنما يستند إلى الحديث الذي ذكره الطبري عن أبي هريرة أن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى مطر عليهم مطر من ماء تحت العرش يقال له ماء الحيوان أربعين سنة فينبتون كما ينبت الزرع، فإذا كملت أجسادهم نفخ فيهم الروح، ثم تلقى عليهم نومة فينامون فإذا نفخ في الصور الثانية قاموا وهم يجدون طعم النوم، فيقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، فيناديهم المنادي هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. اهـ.
ويدل على ذلك أن الريح قد وصفت بالموت.قال الشاعر: والرَّيدة والريدانة: الريح.وقرأ ابن عامر، وعبد الوارث، والحسن البصري: {نُشْرًا} بالنون مضمومة وسكون الشين، وهي في معنى {نُشُرًا} يقال: كُتُبْ وكُتْب، ورُسُل ورُسْل.وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، والمفضل عن عاصم: {نَشْرا} بفتح النون وسكون الشين.قال الفراء: النَّشْر: الريح الطيبة الليَّنِّة التي تنشيء السحاب.وقال ابن الأنباري: النَّشْر: المنتشرة الواسعة الهبوب.وقال أبو علي: يحتمل النَّشْر أن يكون خلاف الطيِّ، كأنها كانت بانقطاعها كالمطويَّة.ويحتمل أن يكون معناها ما قاله أبو عبيدة في النشر: أنها المتفرقة في الوجوه؛ ويحتمل أن يكون معناها: النشر الذي هو الحياة، كقول الشاعر: قال: وهذا هو الوجه.وقرأ أبو رجاء العطاردي، وإبراهيم النخعي، ومسروق، ومورِّق العجلي: {نَشَرًا} بفتح النون والشين.قال ابن القاسم: وفي النَّشَر وجهان.أحدهما: أن يكون جمعًا للنشور، كما قالوا: عَمود وَعَمد، وإهاب وأهَب.والثاني: أن يكون جمعًا، واحده ناشر، يجري مجرى قوله: غائب وغَيَبٌ، وحافد وحَفَدٌ، وكل القرَّاء نوَّن الكلمة.وكذلك اختلافهم في [الفرقان: 48] و[النمل: 63].
|